كِتَابُ يَشُوعَ
بعد وفاة موسى تسلم يشوع زمام قيادة الأمة، وأصبح قائداً لبني إسرائيل طوال الحقبة التي تم فيها الاستيلاء على معظم أرض كنعان. لقد استطاع يشوع وهو مازال في سهل موآب، أن يجند قواته ويجهزها وينظمها لخوض المعارك التي اشتدت بعد أن اجتاز نهر الأردن؛ لقد نشبت ثلاث معارك: واحدة في المنطقة الشمالية، وأخرى في المنطقة الوسطى، وثالثة في المنطقة الجنوبية، أسفرت كلها عن انتصار الشعب، وقد ورد وصف هذه المعارك بصورة إجمالية. ومالبث يشوع بعد هذه المعارك الأولية أن قسم الأرض بين مختلف أسباط إِسرائيل، ثم ألقى كلمة فيهم حثهم فيها على المثابرة على طاعة اللّٰه. وحذرهم من الغواية والضلال. ثم مات بعد أن طعن في السن، ودفن في أرض كنعان.
في هذا الكتاب أظهر يشوع، بوحي من الروح القدس، أن اللّٰه يفي بكل وعد يقطعه على نفسه. وفيه أيضاً نرى الشعب يدخل الأرض ليمتلكها بعد أن فسد أهلها وارتكبوا كل الموبقات والرجاسات، من عبادة أصنام وتقديم ذبائح بشرية لها، غير أن دخولهم إليها لم يكن تلقائياً إذ طلب إليهم الرب أن يخوضوا حروباً ضارية قبل أن يدخلوها، لأن الرب أراد أن يدين خطيئة الشعوب، ممالك أرض كنعان، فسخر شعب بني إسرائيل لتنفيذ قضائه.
الفصل ١
الرب يوصي يشوع
١ بَعْدَ مَوْتِ مُوسَى عَبْدِ الرَّبِّ، قَالَ الرَّبُّ لِيَشُوعَ بْنِ نُونٍ، خَادِمِ مُوسَى:
٢ ”وَالآنَ وَقَدْ مَاتَ مُوسَى عَبْدِي، قُمْ وَاعْبُرْ نَهْرَ الأُرْدُنِّ هَذَا، أَنْتَ وَهَذَا الشَّعْبُ كُلُّهُ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنَا وَاهِبُهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ.
٣ كُلُّ مَوْضِعٍ تَطَؤُهُ بُطُونُ أَقْدَامِكُمْ أَهَبُهُ لَكُمْ، كَمَا وَعَدْتُ مُوسَى،
٤ فَتَمْتَدُّ حُدُودُكُمْ مِنْ صَحْرَاءِ النَّقَبِ فِي الْجَنُوبِ إِلَى جِبَالِ لُبْنَانَ فِي الشِّمَالِ، وَمِنَ الْبَحْرِ الْمُتَوَسِّطِ فِي الْغَرْبِ إِلَى نَهْرِ الْفُرَاتِ فِي الشَّرْقِ، بِمَا فِي ذَلِكَ بِلادُ الْحِثِّيِّينَ.
٥ وَلَنْ يَقْدِرَ أَحَدٌ أَنْ يُقَاوِمَكَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ، لأَنِّي سَأَكُونُ مَعَكَ كَمَا كُنْتُ مَعَ مُوسَى. لَنْ أُهْمِلَكَ وَلَنْ أَتْرُكَكَ.
٦ تَقَوَّ وَتَشَجَّعْ، لأَنَّكَ أَنْتَ الَّذِي سَتُوَزِّعُ عَلَى هَذَا الشَّعْبِ الأَرْضَ الَّتِي حَلَفْتُ لِآبَائِهِمْ أَنْ أَهَبَهَا لَهُمْ.
٧ كُنْ شَدِيدَ الْبَأْسِ ثَابِتَ الْقَلْبِ، وَلْتُطِعْ كُلَّ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَمَرَكَ بِها مُوسَى عَبْدِي. لَا تَحِدْ عَنْهَا يَمِيناً أَوْ شِمَالاً، لِكَيْ تُفْلِحَ حَيْثُمَا تَتَوَجَّهُ.
٨ وَاظِبْ عَلَى تَرْدِيدِ كَلِمَاتِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ، وَتَأَمَّلْ فِيهَا لَيْلَ نَهَارَ لِتُمَارِسَهَا بِحِرْصٍ بِمُوْجِبِ مَا وَرَدَ فِيهَا فَيُحَالِفَكَ النَّجَاحُ وَالتَّوْفِيقُ.
٩ أَلَمْ آمُرْكَ؟ إِذَنْ تَقَوَّ وَتَشَجَّعْ، لَا تَرْهَبْ ولا تَجْزَعْ لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مَعَكَ حَيْثُمَا تَتَوَجَّهُ“.
١٠ فَأَمَرَ يَشُوعُ عُرَفَاءَ الشَّعْبِ أَنْ
١١ يَجُولُوا فِي وَسَطِ الْمُخَيَّمِ وَيَأْمُرُوا الشَّعْبَ أَنْ يُجَهِّزُوا لأَنْفُسِهِمْ طَعَاماً لأَنَّهُمْ بَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ يَعْبُرُونَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ لِيَدْخُلُوا لاِمْتِلاكِ الأَرْضِ الَّتِي يَهَبُهَا الرَّبُّ إِلَهُهُمْ لَهُمْ لِيَرِثُوهَا.
١٢ ثُمَّ قَالَ يَشُوعُ لِلرَّأُوبَيْنِيِّينَ وَالْجَادِيِّينَ وَنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى:
١٣ ”اُذْكُرُوا مَا أَوْصَاكُمْ بِهِ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ قَائِلاً: لَقَدْ أَرَاحَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ وَأَعْطَاكُمْ هَذِهِ الأَرْضَ.
١٤ فَلْتَمْكُثْ نِسَاؤُكُمْ وَأَطْفَالُكُمْ وَمَوَاشِيكُمْ فِي الأَرْضِ الَّتِي قَسَمَهَا لَكُمْ مُوسَى وَرَاءَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، أَمَّا أَنْتُمْ، كُلُّ أَبْطَالِ الْحَرْبِ الأَقْوِيَاءِ، فَتَعْبُرُونَ مُدَجَّجِينَ بِالسِّلاحِ أَمَامَ إِخْوَتِكُمْ، لِتُعِينُوهُمْ،
١٥ حَتَّى يُرِيحَ الرَّبُّ إِخْوَتَكُمْ مِثْلَكُمْ وَيَمْتَلِكُوا هُمْ أَيْضاً الأَرْضَ الَّتِي يَهَبُهَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ لَهُمْ ثُمَّ تَرْجِعُونَ إِلَى أَرْضِ مِيرَاثِكُمُ الَّتِي قَسَمَهَا لَكُمْ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ فِي مَا وَرَاءَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ شَرْقاً وَتَمْتَلِكُونَهَا“.
١٦ فَأَجَابُوا يَشُوعَ: ”كُلُّ مَا أَمَرْتَنَا بِهِ نُنَفِّذُهُ، وَحَيْثُمَا تُرْسِلْنَا نَذْهَبْ.
١٧ وَكَمَا أَطَعْنَا مُوسَى نُطِيعُكَ، وَلْيَكُنِ الرَّبُّ إِلَهُكَ مَعَكَ كَمَا كَانَ مَعَ مُوسَى.
١٨ وَكُلُّ مَنْ يَعْصَى أَمْرَكَ وَلا يُطِيعُ كَلامَكَ يَكُونُ الْقَتْلُ جَزَاءَهُ. إِنَّمَا تَقَوَّ وَتَشَجَّعْ“.