الاجتماعات التاملية لعيد الميلاد
دع الأرض تستلم ملكها


دع الأرض تستلم ملكها

الاجتماع الديني لعيد الميلاد مع الرئاسة الأولى ٢٠٢٢

الأحد، ٤ تشرين الأول، ٢٠٢٢

لنفتح قلوبنا للعطاء

تملأ الموسيقى المُلهَمة أرواحنا بالسلام والدفء.

عيد ميلاد سعيد!

كان شهر كانون الأول من عام ١٩٤٣، وكان العالم يخوض الحرب العالمية الثانية. كان جميع الناس قلقون على أحبائهم في بحار بعيدة، وكان القلق يغمر المنازل لنقص الغذاء والمال. في وقت كانت فيه الموارد العائلية تُحفظ بعناية، فإنه من الغريب أن يستلم أبي، هارولد هيلام، الذي كان حينها في سن التاسعة، هدية عيد ميلاد رائعة--قطار. هذا لم يكن قطاراً قديمًا؛ هذا القطار كان يسير على السكة لوحده. بدون أن يدفعه أحد. بدا كما لو أنه من المستحيل وجود مثل هذه الهدية الرائعة. وكم أحب هارولد ذلك القطار.

بعد سنين، عند اقتراب عيد الميلاد، كان العالم يخرج من خضم الحرب. لكن الظروف المادية في مدينة سانت آنثوني الصغيرة في ولاية آيداهو لم تتحسن، وبالنسبة لعائلة أبي فإن الظروف ازدادت سوءاً. كان والد هارولد مريضًا جدًا، وقارب أن يفقد حياته. لن يكون هناك هدايا لأي شخص — وكان يشمل ذلك هارولد وأخيه الصغير، آرنولد.

قبل عيد الميلاد ببضعة أيام، أتى والد هارولد إليه وسأله بهدوء، ”هل أنت مستعد أن تعطي قطارك لآرنولد كي يحصل على هدية في عيد الميلاد هذا العام؟“

هل سمع والده بوضوح؟ قطاره الحبيب؟ لقد كان هذا الطلب أعظم من جميع الطلبات.

أقبل صباح عيد الميلاد، وصرخ آرنولد بفرح عندما استلم هو قطارًا تمامًا مثل قطار هارولد.

بعد فترة قصيرة، لاحظ آرنولد بأن هارولد لم يعد يلعب بقطاره. ومع مضي الوقت، أدرك آرنولد بأن هديته الغالية لم تكن ”تمامًا مثل“ قطار هارولد — لقد كانت قطار هارولد بذاته! وعندما أدرك آرنولد التضحية التي كانت خلف تلك الهدية، أصبح ذلك القطار لا يُقدّر بثمن.

بالنسبة لي، فإن قصة العائلة هذه هي هبة بحد ذاتها — ليس لمجرد أنها تذكرني بأبي الحبيب وأخيه الغالي. بل الأهم من ذلك، أنها تذكرني بالتضحية — التضحية والحب اللذين قدمهما ابن الله الحبيب — الذي نحتفل بميلاده.

يسوع المسيح كان وسيبقى هو أول هدية لنا في عيد الميلاد. أشهد بهذه الحقيقة: إنه قد ولد وعاش ومات من أجلنا وهو يحيا—اليوم!

كم نحن مباركون كمستلمين لهذه الهدية المُفرحة. كما تقول كلمات إحدى ترانيم الميلاد المفضلة: ”فرح للعالم، قد أتى الرب؛ دع الأرض تستلم ملكها!“١

قال الشيخ نيل أ. ماكسويل، ”إذا نظرنا إلى كل ما أعطانا اياه الله، فقد نعتقد بأننا أصبحنا خبراء في الاستلام، لكننا لسنا كذلك. نحن نعتقد بأننا نملك الاكتفاء الذاتي وبأننا مستقلين فنجد الاستلام غريبًا، وحتى صعبًا في أغلب الأحيان. …

”[لكن] هدايا الله، بعكس الهدايا الموسمية، هي أزلية ولا تفنى، تمثل عيد ميلاد مستمر لا ينتهي!٢

إذن كيف نستلم هدية مذهلة كهذه بالشكل الصحيح؟ كيف نختار كل يوم هدية مخلصنا وحبه وكفارته الابدية؟

لنبتعد عن النوافذ المزينة والحلوى الملونة ونتعلم من حياة وأعمال الأتباع الأوائل للمخلص الرضيع.

استلموا قداسته

عندما اقترب ميلاد المخلص، ناضل يوسف ومريم في ضجيج مدينة بيت لحم، ولكن الفنادق كانت مليئة. ألم يكن لدى أي شخص غرفة لهم؟ ألن يقوم أي شخص بتوفير الراحة لهم؟ عرفت مريم الهدية التي كانت تحملها، لكن لم يكن لدى أي شخص مكان ليستلمه.

لن نستطيع أن نفهم شعور مريم ويوسف في تلك اللحظة، لكنني دائمًا تخيلتهم يسيرون إلى الأمام بقوة صامتة وبثقة. لقد تبعوا دعوة الملاك بأن ”لا يخافوا“٣ والآن وهم يستعدون لميلاد يسوع، تمكنوا من التخلي عن أي توقعات للسكن المريح وبدلاً من ذلك الاستقرار في مكان هادئ ومتواضع. لكن المكان الذي كان يبدو وكأنه مكان قاسٍ لن يبقى كذلك. سيملأ الرب عما قريب هذا الفراغ بالقداسة.

كما نقرأ في إنجيل لوقا ٢: ٧ المشهور، ”فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ، وَلَفَّتْهُ بِقِمَاطٍ، وَأَنَامَتْهُ فِي مِذْوَدٍ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مُتَّسَعٌ فِي الْمَنْزِلِ.“

مخلصنا — الذي هو هبه الحياة والأمل والوعد — قد أتى إلى الأرض.

هل نستطيع أن نُعدّ مكان في قلوبنا كي نستلم المسيح ونسمح لقداسته بأن تملأ أماكننا الفارغة؟ مثل مريم ويوسف، بإمكاننا أن نثق به خلال الأوضاع التي قد تكون صعبة أحيانًا. هذا التوجيه — وحتى المعجزات — الذي يدخل حياتنا لن يحدث في الزحام والضجيج، أو على المسارح أو في الملاعب، بل سيأتي في الأماكن الهادئة حيث نعيش ونعمل — حيث نذهب للحصول على المساعدة. أينما تنشأ احتياجاتنا المتواضعة، يمكننا أن نتلقى إجابات لصلواتنا التي نهمسها.

اقبلوا دعوته لكي تتصرفوا

أليس من العجيب بأن أول من قام باستقبال حمل الله كانوا رعاة؟

غطى الليل الأرض عندما اجتمع الرعاة المذهولون تحت عمود من النور اللامع حيث لامست السماء الأرض خلال الحدث الفائق لميلاد المخلص.

”فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاكُ: لا تخافوا، فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ. …

”أَنَّهُ وُلِدَ لكُمُ اليومَ في مدينةِ داوُدَ مُخَلِّصٌ هو المَسيحُ الرَّبُ.“٤

نحن نحب أن هؤلاء الرعاة المخلصين لم يؤخروا استلامهم بل سارعوا لمقابلة ملكهم. نتعلم منهم أن الاستلام هي كلمة فعل. يقول لنا لوقا بأن الرعاة ”جَاءُوا مُسْرِعِينَ، فَوَجَدُوا … الطِّفْلَ نَائِماً فِي الْمِذْوَدِ.“٥

في أغلب الأحيان لن نتمكن من استلام الإلهام البسيط الهادئ من الرب لأنه لا يتفق مع جدول أعمالنا وخططنا وتوقيتنا. تُذكرنا قصة الميلاد بأن نكون مثل هؤلاء الرعاة المخلصين الذين لم يؤخروا فعل كل ما استطاعوا لكي يستلموا ملكهم.

هل لاحظتم بأن لوقا أدخل إلهامًا مفرحًا في قصة الميلاد وهو أن استلامه هو مشاركته عندما قال، ”فَلَمَّا رَأَوْا [يسوع]، أَخَذُوا يُخْبِرُونَ بِمَا قِيلَ لَهُمْ بِخُصُوصِ هَذَا الطِّفْلِ.“٦ استلم هؤلاء الرعاة هذه الرسالة من السماء وذهبوا مسرعين ومباشرة أصبحوا رسل من السماء يبشرون ”بفرحهم للعالم“ ودعوا جميع الناس بأن ”يستلموا [ملكهم]!“٧

استلموا بايمان ثابت

والآن لنوجه اهتمامنا نحو المجوس. إنهم أعظم من بحثوا عن يسوع المسيح في كل التاريخ. قضوا حياتهم يراقبون العلامات السماوية، وعندما تحققت، غادروا المناطق المألوفة والأعمال والعائلات والأصدقاء ليتبعوا النجمة ويجدوا ملكهم.

اختلفوا عن الرعاة لأن رحلتهم كانت متواصلة واستغرقت زمنًا طويلاً. كان عليهم البحث والسؤال والانتظار والذهاب، ومن ثم تكرار ذلك حتى شاهدوا أخيرًا الطفل الصغير مع أمه، مريم. قدموا له هدايا ثمينة جدًا وركعوا وعبدوه.٨

غالبًا ما تأملت بهذا: عند استلامنا للمسيح، هل نسعى إليه بجد ونسمح له بقيادة رحلتنا إلى أشخاص وأماكن نجهلها؟ كيف نستطيع أن نعبر عن امتناننا له من خلال الهدايا والعبادة التي نقدمها؟

طُوبَى للمستلمين

إذن هذه هي—قصة الميلاد الرائعة.

أصدقائي الأعزاء، طوبى لمن يستلم. رغم أن هدية قطار أبي كانت محبوبة، ورغم روعة هدايا الكنز والوقت التي تقدمها العائلات، فهذه الهدايا تبهت عند مقارنتها مع استلام الهدية الحقيقية لعيد الميلاد — هدية يسوع المسيح.

”فماذا ينفع الأنسان إذا رفض [هدية] أُعْطِيَتْ له؟“٩

فكروا بهذه الآية في ضوء تلك الحقيقة الأبدية: ”لأنّهُ هكذا أحَبَّ اللهُ العالَمَ حتَّى بَذَلَ ابنَهُ الوَحيدَ لكَيْ لا يَهلِكَ كُلُّ مَنْ يؤمِنُ بهِ، بل تكونُ لهُ الحياة الأبديَّة“.١٠

أنا أحب الوعد بأن كل من يستلم هدية المسيح التي تم تقديمها في تلك الليلة المقدسة بصدق سيكون له حياة أبدية!

وبالتالي نرى بأننا من خلال مجهودنا اليومي لكي نستلم المسيح بشكل شامل سنصبح كما دعانا نبينا الحبيب، الرئيس رسل م. نلسن، ”شعب قادر ومستعد ومستحق لاستلام الرب عندما يأتي مرة أخرى، شعب اختار يسو ع المسيح.“١١

من الرائع أن نتخيل اليوم الذي سنشهد فيه معًا مرة أخرى: ”فرح للعالم، الرب قد أتى؛ دع الأرض [وكل واحد منا] تستلم ملكها!“١٢ باسم يسوع المسيح، آمين.

طباعة