المراسيم والتصريحات
زيارة موروني


زيارة موروني

وفي مساء اليوم الذي مرّ ذكره أي اليوم الحادي والعشرين من سبتمبر، وبعد أن أويت إلى فراشي لأبيت ليلتي، أخذتُ نفسي بالصلاة والتَضرّع إلى الله العليّ ملتمساً منه الصّفح عن جميع آثامي ونزواتي، وملتمساً منه كذلك أن ينزل عليّ رؤيا تطلعني على موقفه منّي، فما كنت أشكّ قط في أنّي ظافر برؤيا إلهيّة كما ظفرت من قبل.

صورة
Moroni Appears to Joseph Smith

بعد مضيّ ثلاثة أعوام على الرؤيا الأولى لجوزف سميث، أرسل الله الملاك موروني ليوجّه جوزف بشأن استعادة إنجيل يسوع المسيح.

وبينما كُنْتُ أقوم بدعاء الله، إذا بي ألمح نوراً يتجلّى في غرفتي، وإذا بالنّور يزداد لمعاناً حتّى تتوهّج الغرفة بما يفوق ضوء الظهيرة. ولم يَلْبَث أَنْ ظهرَ شَخْصٌ بالقُرْبِ من فراشي مائلاً في الفضاء لا تلمس قدماه الأرض.

كان يرتدي ثَوْباً فضفاضاً يتألّق بياضُهُ تألّقاً لم أرَ له مثيلاً ولا عديلاً قط على الأرض؛ وما أظنّه ممكناً أن يبلغ البياض والتألّق بشَيءٍ أرضي ذلك المبلغ. وكان الثّوب منحسراً عن يديه إلى ما فوق المعصمين بقليل، وعن قدميه أَيْضاً إلى ما فوق الكاحل بقليل. وكان حاسر الرّأس والعنق لا يستر جسده – فيما تبيّنتُ – غير ذلك الثوب، فقد كان الثّوب مَفْتوحاً واستطعت رؤية صدره.

ولم يكن البياض مقتصراً على ثوبه، بل كان شَخصه كُلّهُ مُحاطاً ببهاء ومجد يفوقان الوصف. وكان محيّاه خاطفاً للأبصار كالبرق تماماً. كان النّور في الغرفة شديد اللّمعان، ولكنّه كان أشدّ لمعاناً فيما يحيط بهذا الشّخص مباشرةً. ولمّا نَظَرْتُ لأوّل مرّة خفتُ؛ ولكن سُرْعانَ ما فارقني الخوف.

ودعاني الشّخص باسمي، وأنبأني بأنّه رسول أرسل إليّ من حَضْرَةِ الله، وأَنّ اسمه موروني. وأفضى إليّ بأنّ الله قد أعدّ لي مهمّة يجب إنجازها، وأنّ جميع الأمم والأقوام والألسنة ستتداول اسمي بالخير والشرّ أو بمعنى آخر أنّ الشّرّ والخير سينسبان إلى اسمي بين جميع النّاس.

وأخبرني بوجود كِتابٍ منقوش على صفائح ذهبية، وقال إنّ هذا الكتاب يروي تاريخ السّكّان القدماء للقارّة الأمريكيّة ويوضح أصلهم. كما قال إنّ الكتاب يحتوي على ملء الإنجيل الأبدي، الّذي علّمه المخلص لهؤلاء السّكان القدماء؛

وأنبأني أيضاً بأنه يوجد مع الكتاب حجران في قوسين من الفضة، وأنّ هذين الحجرين مثبّتان في صدرة ويعرفان بالأوريم والتمِيم. وإذا اقتنى إنسان هذين الحجرين واستخدمهما فإنّه كان يُعرف باسم ”الرائي“ في القدم؛ وقال إنّ الله أعدّهما لترجمة الكتاب.

بعد أن أطلعني على هذه الأمور جميعاً، جعل يتلو عليّ نبوءات العهد القديم، واستهلّ ذلك بتلاوة شطر من الأصحاح الثالث من سِفْرِ ملاخي، كما تلا عليّ الأصحاح الرابع أو الأخير من نفس النبوة، وإن كان النّص الّذي اقتبسه يختلف عن النّص المدوّن في الكتاب المقدس بعض الاختلاف. ذلك أنّه بَدَلاً من أن يتلو الآية الأولى على نحو ما جاء في الكِتاب المقدس، تلاها على النّحو الآتي:

”فهوذا يأتي اليوم المُتَقِدِ كالتنور، وكُلّ المُسْتَكبِرينَ وكُلّ فاعلي الشر يَحْتَرِقونَ كالقَش، إذ يحرقهم القادمون قال رَبّ الجنود، فلا يُبْقي لهم أصلاً ولا فِرْعاً.“

وأورد الآية الخامسة على النحو التّالي: ”هأنذا اُطْلِعُكُم على الكهنوت على يَدِ إيليا النبي قَبْلَ مجيءِ يَوْمِ الرب، اليوم العظيم والمخوف.“

كذلك اقتبس الآية الّتي تعقبها في صيغة جديدة: ”ويَزْرَعُ في قُلُوبِ الأَبناء الوعد الذي اُعْطِيَ للآباء فَتَتَحَوّل قلوب الأبناء إلى آبائِهم. ولولا ذلك لَفَنِيَت الأرْضُ وبادَتْ عِنْدَ مجِيئِهِ.“

وأضافَ إِلى ما تلاه الأصحاح الحادي عشر من سِفرِ إشعياء، معلناً إليّ أنّ ما جاء فيه على وشك أن يتمّ. ومن الأصحاح الثّالث من سفر أعمال الرسل تلا الآية الثّانية والعشرين والآية الثّالثة والعشرين، فلم تختلف تلاوته عن النّص المدوّن في العهد الجديد قليلاً ولا كثيراً. قال إنّ النّبي الّذي تذكره الآيتان هو المسيح؛ ولكن اليوم لم يأتِ بعد حين ”يكون أنّ كلّ نفس لا تسمع له تباد من الشّعب،“ على أنّ ذلك اليوم قريب.

وتلا عليّ أيضاً الأصحاح الثاني من سِفْرِ يوئيل، مبتدئاً بالآية الثامنة والعشرين ومختتماً بالآية الأخيرة. ونبّهني إلى أنّ هذه النبوّة لمّا تتمّ، ولكنّها مزمعة أن تتحقق. كذلك أعلن أنّه عن قريب يدخل ملء الأمم. وأورد غير هذه أَيْضاً نصوصاً كثيرة من الأسفار المقدسة، وعقّب عليها بشروح شتّى لا يسعني ذكرها في هذا المجال.

وعاد ونهاني عن إظهار الصفائح التي ذكرها لأحد متى صارت في حوزتي، إذ لم يكن الوقت قد حان بعد للحصول عليها. كذلك نهاني عن إظهار الصّدرة الّتي تحمل الأوريم والتميم لأحد إلا للذين يأمرني الله أن أُريهم إيّاها؛ وأنذرني أنّه إن أطلعتُ عليها غير أولئك فإنّي هالك. وأثناء حديثه معي بشأن الصفائح إذ انكشفت لي رؤيا جعلتني قادراً على رؤية مقرّ الصفائح، وكانت الرؤيا من الدّقّة والوضوح بحيث أنّي تعرّفتُ على الموضع عندما زرتُه.

وعلى أثر هذا الحديث، رأيت النّور المنتشر في الغرفة يتجمّع ويلتئم حول محدّثي. وظلّ النّور يتضاءل وينكمش حتّى عاد الظّلام إلى الغرفة كلّها إلا ما يحيط بالشّخص مباشرة. ولم ألبث أن رأيت نَفَقاً، أو ما يشبه النّفق، قد امتدّ إلى السماء. وأَخَذَ الشَخْصُ يصعد في النّفق حتّى توارى عن نظري تماماً، وعادت الغرفة إلى ما كانت عليه قبل أن يلوح ذلك النور السماوي.

ومضيت أتأمّل في رقدتي غرابة المنظر، وتعجّبت كلّ العجب بما أخبرني به ذلك الرّسول الفريد. وفيما كُنْتُ أتأمّل في هذه الأمور، رأيت فَجْأَةً أَنَ النّور أخذ يغمر الغرفة من جديد، وفي لَحْظَة عابرة عاد نفس الرسول السماوي إلى مكانه بالقرب من فراشي.

وقد كرّر ما قاله في زيارته الأولى بدون أقلّ تغيير، وبعد ذلك أفضى إليّ بأنّ الأرض ستعاني بمحن عسيرة، تؤدّي إلى الهلاك بالمجاعات والسّيف والأوبئة؛ وأنّ هذه المحن المُنكرة ستصيب الأَرض في هذا الجيل. وبعد أَنْ أنهى إليّ هذه الأمور، صَعِدَ كما فَعَلَ من قبل.

صورة
موروني يدفن الألواح

في عام ٤٢١ بعد الميلاد دَفَنَ النبي موروني سجلات شعبه المقدسة في تلّ كومورة. عند عودته لاحقاً ككائن مُقام، أَخْبَرَ جوزف سميث عن السجل القديم، الذي يحتوي على ملء الإنجيل كما نقله المُخَلِص إلى سكان القارة الأمريكية القدماء. هذا السجل هو كتاب مورمون.

وبسبب تأثير هذه الأمور على ذهني طار النّوم من عينيّ، ورقدت مدهوشاً ممّا رأيتُ وسمعتُ. لكن ما أعظم دهشتي حين عدتُ ورأيتُ نفس الرسول بالقرب من فراشي، وسمعتُه يُكَرّر على مسمعي ما قاله من قبل؛ ويضيف إِلَيه إنذاراً لي: أنّ إبليس سيعمل على إغرائي (بسبب فقر أسرة أبي) بأن أحصل على الصفائح طمعاً في الغنى. ونهاني الرّسول عن ذلك، وأمرني بألا تتجاوز غايتي من الحصول على الصفائح تمجيد الله، وألا أكون متأثّراً بأي دافع سوى تشييد مملكته؛ وإلا فلن أحصل عليها.

وعقب هذه الزيارة الثالثة، صَعِدَ إلى السماء كما فعل من قبل، وتركني أفكّر مرّةً اُخْرى في غرابة ما مَرّ بي. ولم يكد الرسول السماوي يمضي عنّي للمرة الثالثة حتّى صاح الديك، ووجدت أنّ النهار على وشك الظّهور، فاستنتجتُ أنّ الزّيارات قد استغرقَت تلك اللّيلة كلّها.

وبعد مدّة قصيرة نَهَضْتُ من فراشي، وانصرفت كالعادة إلى الأعمال اليومية الضرورية؛ ولكنّي حين أقدمتُ على العمل وجدت نفسي منهوك القوى كأنّي عاجز تماماً. أما أبي، الذي كان يكدّ معي، فقد لاحظ أنّ بي علّة. فأمرني بالعودة إلى المنزل. وفعلاً بدأت في التّوجّه إلى المنزل، ولكن قواي خارت حين حاولتُ اجتياز السّياج والخروج من الحقل حيث كنّا، فارتميتُ على الأرض متهالكاً متخاذلاً، وقضيتُ فَتْرَة من الزّمن فاقد الوعي لا أشعر بشيء.

وأذكر أنّ أولّ ما تنبهت إليه حين عاد إليّ رشدي كان صوتاً يحدّثني مُنادِياً إِياي باسمي. فرفعتُ نظري ورَأَيْتُ نفس الرسول ماثلاً في الفضاء فوق رأسي متسربلاً بالنّور كما كان من قبل. وكرّر على مسمعي جميع ما أنهاه إليّ في الليلة السّابقة، وأمرني بأن أذهبَ إلى أبي وأن أطلعه على الرؤيا والوصايا التي تسلمتُها.

فأطعتُ الأمر؛ وّعُدْتُ إلى أبي في الحقل، وأفضيتُ إليه بالأمر كلّه. وأجابني أبي قائلاً إنّ ما جاءني إنّما هو من الله، وأمرني أن أنفّذ ما أمرني به الرّسول. غادرتُ الحقل، وقصدتُ إلى المكان حيث كانت الصفائح كما ذكر الرّسول. وما إن بلغتُ المكان حتّى عرفتُه إذ كانت الرؤيا التي شاهدتُ فيها المكان واضحة جليّة.

طباعة