أَيُ كنيسة على حقّ؟
وفي هذه الفترة العصيبة الشّديدة الاضطراب أمعن ذهني في تَأَمُلاتٍ جادَةٍ وقَلَقٍ عظيم … كُنْتُ كثيراً ما أتساءلُ: ما العمل؟ أَي هذه الفئات جميعاً على حقّ؛ أم هل تكون كلّها على باطل؟ وإن كانت إحداها على حقّ، فأيُّها هي، وكَيْفَ يُتاح لي أن أتعرّف عليها؟
وبينما أنا أجاهد تَحْتَ وَطْأَةِ هذه المشقات العظيمة الّتي أدّى إليها التطاحن بين هذه الفرق المحترفة للدين، قَرَأْتُ ذات يوم الآية الخامسة من الأصحاح الأول من رسالة يعقوب، وهي: ”وإنّما إن كانَ أَحَدٌ تُعُوْزُهُ حكْمَة فليطلب من الله الذي يُعْطي الجميع بِسَخاءٍ ولا يُعَيّرُ فَسَيُعطى لَهُ.“
لم يجد إنسان قط للآية من آياتِ الكِتابِ المُقَدَسِ وقعاً في قلبه يفوق ما كان لهذه الآية من وقع في قلبي حينذاك، فقد خيّل إليّ أنّه نفذت فيّ قوّة صاعقة إلى كُلُ جارِحًةٍ من جوارح فؤادي. وتَأَمَلْتُها المرّة بعد المرّة عالِماً أنّي كُنْتُ أَحوج النّاس إلى حِكْمَة الله: فقد كنت في حيرة من أمري لا أدري ماذا أصنع، ولم يكن لي أمل قط في أن أدري ما لم أحظَ بالمزيد من الحكمة. ذلك أَنَ مُعَلِمي الدين في الطوائف المختلفة كانوا يختلفون في فهم الآية الواحدة اختلافاً لا يدع نفساً تطمئنّ إلى اتّخاذ الكتاب المقدّس حجّة في النّزاع.
وانتهيت أخيراً إلى الخلاصة: فإمّا أن أظلّ في الظلمة والاضطراب، وإمّا أَنَ أنتصح بنصيحة يعقوب فأطلب من الله. وعزَمْتُ في النّهاية على أَنْ أَطْلُبَ من الله، مستنتجاً أنه ما دام الله يَمنَح الحِكْمَةَ لِمَنْ تعوزهم الحكمة، وما دام يعُطي بِسَخاءٍ، ولا يُعَيِّر، فَلا ضرر لي إن سعيتُ.