أفكار لتتذكرها

الأسفار التاريخية في العهد القديم

تُعرف الأسفار من سفر يشوع وحتّى سفر أستير تقليدياً باسم ”الأسفار التاريخية“ للعهد القديم. هذا لا يعني أن الأسفار الأخرى من العهد القديم ليس لها قيمة تاريخية. الأسفار التاريخية تسمى ذلك لأن الهدف الرئيس لكتّابها كان إظهار يد الله في تاريخ شعب إسرائيل. لم يكن الغرض إبراز ناموس موسى، كما في اللاويين و التثنية. ولم يكن للتعبير عن المديح أو الرثاء بشكل شعري كما في المزامير ومراثي إرميا ولم يكن لتدوين كلام الأنبياء كما في سفرَي إشعياء و حزقيال. بدلاً من ذلك، تحكي الأسفار التاريخية قصةً.

المسألة تعتمد على وجهة النظر

يجري عادة سرد هذه القصة من وجهة نظر معينة، في الواقع، من وجهات نظرمعينة. مثلما أنه من المستحيل النظر إلى زهرة أو صخرة أو شجرة من أكثر من زاوية في وقت واحد، فمن المحتم أن تعكس الرواية التاريخية منظور الشخص أو مجموعة الأشخاص الذين يكتبونها. يشمل هذا المنظور الروابط القومية أو العرقية للكتّاب ومعاييرهم الثقافية ومعتقداتهم. إن معرفة ذلك يمكن أن يساعدنا في فهم أن الكتّاب والمجمعين للأسفار التاريخية ركزوا على تفاصيل معينة مع تجاهل تفاصيل أخرى.^١ لقد وضعوا بعض الافتراضات التي ربما لم يضعها الآخرون. وقد توصلوا إلى استنتاجات بناءً على تلك التفاصيل والافتراضات يمكننا حتى رؤية وجهات نظر مختلفة عبر أسفار الكتاب المقدس (وأحيانًا في نفس السفر).^٢ كلما زاد إدراكنا لوجهات النظر هذه، كان بإمكاننا فهم الأسفار التاريخية بشكل أفضل.

أحد وجهات النظر المشتركة بين جميع االأسفار التاريخية في العهد القديم هو منظور بني إسرائيل، شعب عهد الله. ساعدهم إيمانهم بالرب على رؤية يده في حياتهم وتدخله في شؤون أمتهم. بينما لا تميل كتب التاريخ العلمانية إلى رؤية الأشياء بهذه الطريقة، فإن هذا المنظور الروحي هو جزء مما يجعل أسفار العهد القديم التاريخية ذات قيمة كبيرة لأولئك الذين يسعون إلى بناء إيمانهم بالله.

محتوى بقية العهد القديم

تبدأ الأسفار التاريخية من حيث ينتهي سفر التثنية مع اقتراب نهاية سنوات تجوال الإسرائيليين في البرية. يُظهر سفر يشوع بني إسرائيل مستعدين لدخول أرض كنعان، أرض الميعاد، ويصف كيف استولوا عليها. الأسفار التالية القضاة وحتى أخبار الأيام الأول تصور تجربة إسرائيل في أرض الميعاد، من الوقت الذي استقروا فيه حتى وقت احتلتهم آشور وبابل يخبر سفرا عزرا و نحميا عن عودة عدة مجموعات من الإسرائيليين إلى عاصمتهم أورشليم بعد عقود. أخيرًا، يروي سفر أستير قصة بني إسرائيل الذين يعيشون في المنفى تحت حكم الفارسيين.

وهنا ينتهي التسلسل الزمني للعهد القديم. يتفاجأ بعض قراء الكتاب المقدس عند قراءته للمرة الأولى لاكتشافهم أنهم انتهوا للتو من قراءة قصة العهد القديم قبل أن يقرأوا أكثر من نصف صفحاته. لا نحصل بعد سفر أستير على الكثير من المعلومات حول تاريخ بني إسرائيل. بدلاً من ذلك، الأسفار التالية — خاصة أسفار الأنبياء — تدخل ضمن الجدول الزمني الذي قدمته الأسفار التاريخية.^٣ مثلاً، حدثت خدمة النبي إرميا أثناء الأحداث المسجلة في الملوك الثاني ٢٢- ٢٥ (والرواية المقابلة في أخبار الأيام الثاني ٣٤- ٣٦). إن معرفة هذا يمكن أن تؤثر على الطريقة التي تقرأ بها الروايات التاريخية والأسفار النبوية.

قد تكون بعض فقرات النصوص المقدسة مثل قطع الألعاب التركيبية التي لا نعرف كيفية ملاءمتها مع بقية قطع اللعبة.

عندما يكون هناك شيء غير ملائم

عند قراءة العهد القديم، كما هو الحال مع أي تاريخ، من المحتمل أن تقرأ عن أشخاص يفعلون أو يقولون أشياء تبدو غريبة أو حتى مزعجة بالنسبة للمنظور الحديث. يجب أن نتوقع هذا، لقد رأى كتّاب العهد القديم العالم من منظور كان، في بعض النواحي، مختلفًا تمامًا عن منظورنا. العنف والعلاقات العرقية وأدوار المرأة ليست سوى بعض القضايا التي ربما كان الكتّاب القدامى قد رأوها بشكل مختلف عما نراها اليوم.

إذن ماذا يجب أن نفعل عندما نصادف مقاطع في الأسفار المقدسة تبدو مزعجة؟ أولاً، قد يكون من المفيد النظر إلى كل فقرة في سياق أوسع. كيف تتلاءم مع خطة الله للخلاص؟ كيف تتلاءم مع ما تعرفه عن طبيعة الآب السماوي ويسوع المسيح؟ كيف تتلاءم مع الحقائق الموحاة في الأسفار المقدسة الأخرى أو مع تعاليم الأنبياء الأحياء؟ وكيف تتناسب مع همسات الروح لقلبك وعقلك؟

في بعض الحالات، قد لا يبدو المقطع ملائما لأي منها كثيراً. في بعض الأحيان، قد يكون المقطع بمثابة قطعة من لعبة تركيبية تبدو وكأنه ليس لها مكان بين القطع الأخرى التي جمعتها مسبقاً. محاولة إجبار القطعة على الملاءمة ليست الطريقة الأفضل. لكن هذا لا يعني أيضاً التخلي عن اللعبة التركيبية بأكملها. بدلاً من ذلك، قد تحتاج إلى ترك القطعة جانبًا في الوقت الحالي. كلما تعلمت المزيد وقمت بتجميع المزيد من أجزاء اللعبة التركيبية، قد تتمكن من رؤية كيفية ملاءمة القطع معًا بشكل أفضل.

يمكن أن يساعد أيضًا التذكر أنه بالإضافة إلى اقتصارها على منظور معين، فإن التواريخ في الأسفار المقدسة عرضة للخطأ البشري (راجع بنود الإيمان ١: ٨). مثلاً، على مر القرون ”[الكتاب المقدس] فَقَدَ الْكَثِيرَ مِمَّا هُوَ وَاضِحٌ وَنَفِيسٌ“، بما في ذلك الحقائق المهمة حول العقيدة والمراسيم (١ نافي ١٣: ٢٨؛ راجع أيضاً الآيتين ٢٩، ٤٠). في الوقت نفسه، يجب أن نكون على استعداد للاعتراف بأن وجهات نظرنا محدودة أيضًا: ستكون هناك دائمًا أشياء لا نفهمها تمامًا وأسئلة لا يمكننا الإجابة عليها بعد.

البحث عن الجواهر

ولكن في هذه الأثناء، لا يجب أن تمنعنا الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها عن جواهر الحقيقة الأبدية الثمينة الموجودة في العهد القديم، حتى لو كانت هذه الجواهر مخبأة أحيانًا في أرض صخرية من التجارب المقلقة والخيارات السيئة التي يقوم بها الأشخاص غير الكاملين. ولعل أثمن هذه الجواهر هي القصص والمقاطع التي تشهد على محبة الله، خاصة تلك التي توجه أذهاننا نحو كفارة يسوع المسيح. إذا نظرنا إليها من أي زاوية، فإن الجواهر مثل هذه تتألق اليوم بنفس السطوع الذي تألقت به في ذلك الوقت. ولأن هذه الروايات تخبرنا عن شعب العهد، رجال ونساء لديهم نقاط ضعف بشرية ولكنهم أحبوا الرب وخدموه، فإن جواهر الحق كثيرة في الأسفار التاريخية للعهد القديم.

ملاحظات

1. إن الروايات التاريخية للكتاب المقدس التي لدينا اليوم هي في الأساس عمل العديد من الكتّاب والجامعين الذين لم تُذكر أسمائهم، والذين عملوا أحيانًا عدة سنوات، وحتى قرون، بعد الفترات الزمنية التي يصفونها. وقد اعتمدوا على مجموعة متنوعة من المصادر التاريخية واتخذوا قرارات بشأن ما يجب تضمينه في رواياتهم وما يجب استبعاده.

2. على سبيل المثال، على الرغم من أن سفري أخبار الأيام الأول والثاني يغطيان تقريبًا الفترة نفسها مثل صموئيل الأول ٣١ حتى نهاية سفر الملوك الثاني، يركز سفري أخبار الأيام الأول والثاني على تفاصيل مختلفة ويعرضان وجهة نظر مختلفة. على عكس سفري صموئيل الأول والملوك الثاني، فإنّ سفري أخبار الأيام الأول والثاني يركزان فقط تقريبًا على مملكة يهوذا الجنوبية وغالبًا ما يتجاهلان القصص السلبية عن داود وسليمان (قارن، على سبيل المثال، صموئيل الثاني ١٠- ١٢مع أخبار الأيام الأول ١٩- ٢٠ والملوك الأول ١٠- ١١ مع أخبار الأيام الثاني ٩). يركز منهاج تعال، اتبعني على دراسة الرواية في الملوك الأول والملوك الثاني، على الرغم من وجود قيمة في مقارنة هذه الرواية برواية أخبار الأيام الأول وأخبار الأيام الثاني. قد يكون من المفيد معرفة أن العمل في صموئيل الأول - الملوك الثاني من المحتمل أن يكون قد بدأ قبل أن تغزو الإمبراطورية البابلية يهوذا واكتمل أثناء السبي إلى بابل. السجل الذي أصبح سفري أخبار الأيام الأول والثاني من ناحية أخرى، جرى جمعه بعد عودة اليهود إلى أورشليم من سبيهم. أثناء قراءتك، يمكنك التفكير في كيفية تأثير هذه الظروف المختلفة على وجهات نظر جامعي الروايات المختلفة.

3. في بداية هذا المصدر، ستجد الرسم الإيضاحي ”نظرة عامة على العهد القديم“ وهو جدول زمني يوضح كيفية زمن خدمة كل نبي ضمن تاريخ إسرائيل (كما يمكن تحديدها). ستلاحظ أن معظم الأسفار النبوية في العهد القديم تقع بالقرب من نهاية ذلك الخط الزمني، قبل وبعد أن تم غزو بني إسرائيل ونَفيُهُم وتشتيتهم من قبل أعدائهم.