الفصل الخامس عشر
سيتلقى نسل لاحي الإنجيل من الأمم في الأيام الأخيرة—يُشَبَّه تجمُّع إسرائيل بشجرة زيتون تُطعَّم أغصانها الطبيعية مرة أخرى—يفسر نافي رؤيا شجرة الحياة، ويتكلم عن عدالة اللّٰه في فصل الأشرار عن الأبرار. حوالي ٦٠٠–٥٩٢ ق.م.
١ وَأَنا، نافي، بَعْدَ أَنْ حَمَلَني الرّوحُ، وَبَعْدَ أَنْ رَأَيْتُ كُلَّ هٰذِهِ الْأُمورِ، رَجَعْتُ إِلى خَيْمَةِ أَبي.
٢ وَكانَ أَنّي رَأَيْتُ إِخْوَتي، وَكانوا يَتَجادَلونَ في الْأُمورِ الَّتي كَلَّمَهُمْ بِها أَبي.
٣ فَهُوَ حَقًّا قَدْ كَلَّمَهُمْ عَنِ الْكَثيرِ مِنَ الْأُمورِ الْعَظيمَةِ وَالَّتي كانَ مِنَ الصَّعْبِ فَهْمُها إِلّا إِذا اسْتَعْلَمَ الْمَرْءُ مِنَ الرَّبِّ؛ وَلِأَنَّهُمْ كانوا قُساةَ الْقُلوبِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَطْلُبوا الرَّبَّ كَما يَنْبَغي.
٤ وَقَدْ حَزِنْتُ أَنا، نافي، بِسَبَبِ قَساوَةِ قُلوبِهِمْ، وَأَيْضًا بِسَبَبِ الْأُمورِ الَّتي رَأَيْتُها وَالَّتي عَلِمْتُ أَنَّها سَتَحْدُثُ لا مَحالَةَ بِسَبَبِ شَّرِّ أَبْناءِ الْبَشَرِ الْعَظيمِ.
٥ وَكانَ أَنَّ الضّيقَ غَلَبَني، فَقَدْ تَصَوَّرْتُ أَنَّهُ أَعْظَمُ ضيقٍ بِسَبَبِ هَلاكِ شَعْبي، فَقَدْ رَأَيْتُ سُقوطَهُ.
٦ وَبَعْدَ أَنْ حَصَلْتُ عَلى الْقُوَّةِ، تَحَدَّثْتُ مَعَ إِخْوَتي راغِبًا أَنْ أَعْرِفَ سَبَبَ جِدالِهِمْ.
٧ فَقالوا: إِنَّنا غَيْرُ قادِرينَ عَلى فَهْمِ الْكَلِماتِ الَّتي تَكَلَّمَ بِها أَبونا عَنِ الْأَغْصانِ الطَّبيعِيَّةِ لِشَجَرَةِ الزَّيْتونِ وَأَيْضًا عَنِ الْأُمَمِ.
٨ فَقُلْتُ لَهُمْ: هَلِ اسْتَعْلَمْتُمْ مِنَ الرَّبِّ؟
٩ فَقالوا لي: لَمْ نَفْعَلْ ذٰلِكَ؛ فَالرَّبُّ لا يُعْلِمُنا بِمِثْلِ هٰذِهِ الْأُمورِ.
١٠ فَعِنْدَها قُلْتُ لَهُمْ: لِمَ لا تَحْفَظونَ وَصايا الرَّبِّ؟ لِمَ سَتَهْلِكونَ بِسَبَبِ قَساوَةِ قُلوبِكُمْ؟
١١ أَلا تَذْكُرونَ ما قالَهُ الرَّبُّ؟—إِنْ لَمْ تُقَسّوا قُلوبَكُمْ وَتَسْأَلوني بِإيمانٍ، مُؤْمِنينَ بِأَنَّكُمْ سَتَنالونَ، حافِظينَ وَصايايَ بِالِاجْتِهادِ، فَإِنَّ هٰذِهِ الْأُمورَ سَتُعْلَنُ لَكُمْ.
١٢ إِنّي أَقولُ لَكُمْ إِنَّ روحَ الرَّبِّ الَّذي كانَ في أَبينا شَبَّهَ بَيْتَ إِسْرائيلَ بِشَجَرَةِ الزَّيْتونِ؛ أَفَلَمْ نُقْطَعْ نَحْنُ مِنْ بَيْتِ إِسْرائيلَ؛ أَلَسْنا غُصْنًا مِنْ بَيْتِ إِسْرائيلَ؟
١٣ وَما يَعْنيهِ أَبونا عَنْ تَطْعيمِ الْأَغْصانِ الطَّبيعِيَّةِ عَنْ طَريقِ مِلْءِ الْأُمَمِ هُوَ أَنَّهُ في الْأَيّامِ الْأَخيرَةِ، عِنْدَما يَتَراجَعُ إيمانُ نَسْلِنا، أَجَلْ، لِمُدَّةِ سَنَواتٍ كَثيرَةٍ، وَبَعْدَ ظُهورِ الْمَسيحِ في الْجَسَدِ لِأَبْناءِ الْبَشَرِ بِعِدَّةِ أَجْيالٍ، فَإِنَّ رِسالَةَ إِنْجيلِ الْمَسيحِ الْكامِلَةَ سَتَأْتي إِلى الْأُمَمِ، وَمِنَ الْأُمَمِ إِلى بَقِيَّةِ نَسْلِنا—
١٤ وَفي ذٰلِكَ الْيَوْمِ سَتَعْرِفُ بَقِيَّةُ نَسْلِنا أَنَّهُمْ مِنْ بَيْتِ إِسْرائيلَ، وَأَنَّهُمْ شَعْبُ عَهْدِ الرَّبِّ؛ وَحينَئِذٍ سَيَعْلَمونَ مَنْ هُمْ أَجْدادُهُمْ وَسَيَتَعَرَّفونَ عَلَيْهِمْ، وَأَيْضًا سَيَتَعَرَّفونَ عَلى إِنْجيلِ فاديهِمِ الَّذي عَلَّمَهُ لِآبائِهِمْ؛ لِذا سَيَتَعَرَّفونَ عَلى فاديهِمْ وَعَلى مَبادِئِ تَعاليمِهِ، كَيْ يَعْرِفوا كَيْفَ يَأْتونَ إِلَيْهِ وَيَخْلُصونَ.
١٥ وَحينَئِذٍ، في ذٰلِكَ الْيَوْمِ، أَلَنْ يَبْتَهِجوا وَيَحْمَدوا إِلٰهَهُمُ الْأَزَلِيَّ، صَخْرَتَهُمْ وَخَلاصَهُمْ؟ أَجَلْ، في ذٰلِكَ الْيَوْمِ، أَلَنْ يَحْصُلوا عَلى الْقُوَّةِ وَالْقوتِ مِنَ الْكَرْمَةِ الْحَقيقِيَّةِ؟ أَجَلْ، أَلَنْ يَأْتوا إِلى حَظيرَةِ اللّٰهِ الْحَقيقِيَّةِ؟
١٦ إِنّي أَقولُ لَكُمْ، نَعَمْ؛ سَيُذْكَرونَ بَيْنَ بَيْتِ إِسْرائيلَ ثانِيَةً؛ وَسَيُطْعَمونَ في شَجَرَةِ الزَّيْتونِ الْحَقيقِيَّةِ، حَيْثُ أَنَّهُمْ غُصْنٌ طَبيعِيٌّ مِنْ شَجَرَةِ الزَّيْتونِ.
١٧ وَهٰذا ما يَعْنيهِ أَبونا؛ فَهُوَ يَعْني أَنَّ ذٰلِكَ لَنْ يَحْدُثَ إِلّا بَعْدَ أَنْ يُشَتِّتَهُمُ الْأُمَمُ؛ وَهُوَ يَعْني أَنَّ ذٰلِكَ سَيَحْدُثُ عَنْ طَريقِ الْأُمَمِ كَيْ يُظْهِرَ الرَّبُّ قُوَّتَهُ لِلْأُمَمِ، لِأَنَّ الْيَهودَ، أَوْ بَيْتَ إِسْرائيلَ، سَيَرْفُضونَهُ.
١٨ لِذا، فَإِنَّ أَبانا لَمْ يَتَكَلَّمْ عَنْ نَسْلِنا وَحْدَهُ، بَلْ أَيْضًا عَنْ كُلِّ بَيْتِ إِسْرائيلَ، مُشيرًا إِلى الْعَهْدِ الَّذي سَيَتِمُّ في الْأَيّامِ الْأَخيرَةِ؛ وَهُوَ الْعَهْدُ الَّذي قَطَعَهُ الرَّبُّ لِأَبينا إِبْراهيمَ قائِلًا: في نَسْلِكَ سَتَتَبارَكُ جَميعُ قَبائِلِ الْأَرْضِ.
١٩ وَكانَ أَنّي أَنا، نافي، كَلَّمْتُهُمْ كَثيرًا عَنْ هٰذِهِ الْأُمورِ؛ أَجَلْ، كَلَّمْتُهُمْ عَنِ اسْتِعادَةِ الْيَهودِ في الْأَيّامِ الْأَخيرَةِ.
٢٠ وَأَعَدْتُ عَلَيْهِمْ كَلِماتِ إِشَعْياءَ الَّذي تَكَلَّمَ عَنِ اسْتِعادَةِ الْيَهودِ، أَوْ بَيْتِ إِسْرائيلَ؛ وَبَعْدَ اسْتِعادَتِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَنْ يُخْزَوْا ثانِيَةً كَما أَنَّهُمْ لَنْ يَتَشَتَّتوا ثانِيَةً. وَكانَ أَنّي كَلَّمْتُ إِخْوَتي بِكَلِماتٍ كَثيرَةٍ فَسَكَنوا وَاتَّضَعوا أَمامَ الرَّبِّ.
٢١ وَكانَ أَنَّهُمْ كَلَّموني ثانِيَةً قائِلينَ: ما مَعْنى هٰذا الَّذي رَآهُ أَبونا في حُلْمٍ؟ ما مَعْنى الشَّجَرَةِ الَّتي رَآها؟
٢٢ فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّها رَمْزٌ لِشَجَرَةِ الْحَياةِ.
٢٣ فَقالوا لي: ما مَعْنى الْقَضيبِ الْحَديدِيِّ الَّذي رَآهُ أَبونا، وَالَّذي أَدّى إِلى الشَّجَرَةِ؟
٢٤ فَقُلْتُ لَهُمْ إِنَّهُ رَمْزٌ لِكَلِمَةِ اللّٰهِ؛ وَكُلُّ مَنْ يُصْغونَ لِكَلِمَةِ اللّٰهِ وَيَتَمَسَّكونَ بِها لَنْ يَهْلِكوا أَبَدًا؛ كَما أَنَّ تَجارِبَ الْخَصْمِ وَسِهامَهُ الْمُلْتَهِبَةَ لَنْ تَتَغَلَّبَ عَلَيْهِمْ لِتُعْمِيَهُمْ وَتَقودَهُمْ إِلى الْهَلاكِ.
٢٥ لِذا أَنا، نافي، ناشَدْتُهُمْ أَنْ يُصْغوا إِلى كَلِمَةِ الرَّبِّ؛ أَجَلْ، ناشَدْتُهُمْ بِكُلِّ طاقَةِ نَفْسي، وَبِكُلِّ ما لي مِنْ قُدْرَةٍ، بِأَنْ يُصْغوا إِلى كَلِمَةِ اللّٰهِ وَأَنْ يَتَذَكَّروا حِفْظَ وَصاياهُ دَوْمًا في كُلِّ الْأُمورِ.
٢٦ فَقالوا لي: ما مَعْنى نَهْرِ الْماءِ الَّذي رَآهُ أَبونا؟
٢٧ فَقُلْتُ لَهُمْ إِنَّ الْماءَ الَّذي رَآهُ أَبي هُوَ النَّجاسَةُ؛ وَقَدْ كانَ عَقْلُهُ مَشْغولًا بِأُمورٍ أُخْرى بِحَيْثُ أَنَّهُ لَمْ يَرَ نَجاسَةَ الْماءِ.
٢٨ وَقُلْتُ لَهُمْ إِنَّ هاوِيَةً مُرَوِّعَةً تَفْصِلُ الْأَشْرارَ عَنْ شَجَرَةِ الْحَياةِ وَعَنْ قِدّيسي اللّٰهِ أَيْضًا.
٢٩ وَقُلْتُ لَهُمْ إِنَّ هٰذِهِ الْهاوِيَةَ رَمْزٌ لِذٰلِكَ الْجَحيمِ الْمُرَوِّعِ الَّذي قالَ لي الْمَلاكُ بِأَنَّهُ أُعِدَّ لِلْأَشْرارِ.
٣٠ وَقُلْتُ لَهُمْ إِنَّ أَبانا رَأى أَيْضًا أَنَّ عَدالَةَ اللّٰهِ تَفْصِلُ الْأَشْرارَ عَنِ الْأَبْرارِ، وَأَنَّ ضِياءَها كانَ كَضِياءِ نارٍ مُشْتَعِلَةٍ تَصْعَدُ إِلى اللّٰهِ إِلى أَبَدِ الْآبَدينَ وَلا نِهايَةَ لَها.
٣١ فَقالوا لي: أَيَعْني ذٰلِكَ عَذابَ الْجَسَدِ في أَيّامِ الِاخْتِبارِ أَمْ أَنَّهُ يَعْني حالَ النَّفْسِ بَعْدَ مَوْتِ الْجَسَدِ الْفاني، أَمْ أَنَّهُ رَمْزٌ لِلْأُمورِ الْمادِّيَّةِ؟
٣٢ وَكانَ أَنّي قُلْتُ لَهُمْ إِنَّهُ رَمْزٌ لِلْأُمورِ الْمادِّيَّةِ وَالْأُمورِ الرّوحِيَّةِ مَعًا؛ فَسَيَأْتي الْيَوْمُ الَّذي لا بُدَّ فيهِ أَنْ يُحاسَبوا عَلى أَعْمالِهِمْ، أَجَلِ، الْأَعْمالِ الَّتي قاموا بِها في أَجْسادِهِمِ الْفانِيَةِ في أَيّامِ اخْتِبارِهِمْ.
٣٣ لِذا إِنْ ماتوا في شَرِّهِمْ فَإِنَّهُمْ لا بُدَّ أَنْ يُنْبَذوا أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الْأُمورِ الرّوحِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبِرِّ؛ لِذا، فَلا بُدَّ أَنْ يُجْلَبوا لِيَقِفوا أَمامَ اللّٰهِ لِيُحاسَبوا عَلى أَعْمالِهِمْ؛ وَإِذا كانَتْ أَعْمالُهُمْ أَعْمالَ نَجاسَةٍ، فَإِنَّهُمْ نَجِسونَ؛ وَإِنْ كانوا نَجِسينَ، فَلا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَسْكُنوا في مَلَكوتِ اللّٰهِ؛ فَلَوْ كانَ الْأَمْرُ كَذٰلِكَ لَأَصْبَحَ مَلَكوتُ اللّٰهِ نَجِسًا أَيْضًا.
٣٤ وَلٰكِنّي أَقولُ لَكُمْ إِنَّ مَلَكوتَ اللّٰهِ لَيْسَ نَجِسًا، وَلا يُمْكِنُ لِأَيْ نَجِسٍ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكوتَ اللّٰهِ؛ لِذا فَلا بُدَّ أَنْ يَكونَ هُناكَ مَكانٌ نَجِسٌ مُعَدٌّ لِما هُوَ نَجِسٌ.
٣٥ وَهُناكَ مَكانٌ مُعَدٌّ، أَجَلْ، وَهُوَ ذٰلِكَ الْجَحيمُ الْمُرَوِّعُ الَّذي تَكَلَّمْتُ عَنْهُ، وَإِبْليسُ هُوَ مَنْ أَعَدَّهُ؛ لِذا فَإِنَّ الْحالَةَ النِّهائِيَّةَ لِنُفوسِ الْبَشَرِ هِيَ أَنْ تَسْكُنَ في مَلَكوتِ اللّٰهِ أَوْ أَنْ تُطْرَدَ مِنْهُ بِسَبَبِ الْعَدالَةِ الَّتي تَكَلَّمْتُ عَنْها.
٣٦ لِذا، فَإِنَّ اللّٰهَ يَفْصِلُ الْأَشْرارَ عَنِ الْأَبْرارِ وَأَيْضًا عَنْ شَجَرَةِ الْحَياةِ الَّتي ثِمارُها نَفيسَةٌ جِدًّا وَأَشْهى مِنْ كُلِّ الثِّمارِ الْأُخْرى؛ أَجَلْ، وَهِيَ أَعْظَمُ هِباتِ اللّٰهِ كُلِّها؛ وَهٰكَذا كَلَّمْتُ إِخْوَتي. آمينَ.