الفصل السابع عشر
يأمر الرب نافي بأن يبني سفينة، لكن أخويه يعارضانه—يناشدهما عن طريق تذكيرهما بتاريخ تعاملات اللّٰه مع إسرائيل—يمتلئ نافي بقوة اللّٰه—يحذّر أخويه من لمسه كي لا يذويا كقصبة يابسة. حوالي ٥٩٢–٥٩١ ق.م.
١ وَحَدَثَ أَنَّنا ارْتَحَلْنا ثانِيَةً في الْبَرِّيَّةِ؛ وَسافَرْنا نَحْوَ الشَّرْقِ تَقْريبًا مُنْذُ ذٰلِكَ الْوَقْتِ. وَارْتَحَلْنا وَخُضْنا الْكَثيرَ مِنَ الصِّعابِ في الْبَرِّيَّةِ؛ وَأَنْجَبَتْ نِساؤُنا أَطْفالًا في الْبَرِّيَّةِ.
٢ وَبارَكَنا الرَّبُّ بِبَرَكاتٍ عَظيمَةٍ، فَرَغْمَ أَنَّنا كُنّا نَقْتاتُ عَلى اللَّحْمِ النّيءِ في الْبَرِّيَّةِ، فَإِنَّ نِساءَنا أَرْضَعْنَ أَطْفالَهُنَّ بِغَزارَةٍ، وَكُنَّ قَوِيّاتٍ، أَجَلْ، كَالرِّجالِ؛ وَبَدَأْنَ يَتَحَمَّلْنَ السَّفَرَ دونَ تَذَمُّرٍ.
٣ وَهٰكَذا نَرى أَنَّ وَصايا اللّٰهِ لا بُدَّ أَنْ تَتِمَّ. فَإِنْ حَفِظَ أَبْناءُ الْبَشَرِ وَصايا اللّٰهِ، فَإِنَّهُ يُغَذّيهِمْ وَيُقَوّيهِمْ وَيُوَفِّرُ لَهُمْ وَسائِلَ لِيُحَقِّقوا بِها ما أَوْصاهُمْ بِهِ؛ لِذا فَقَدْ وَفَّرَ لَنا تِلْكَ الْوَسائِلَ أَثْناءَ إِقامَتِنا في الْبَرِّيَّةِ.
٤ وَبَقينا سَنَواتٍ عَديدَةً، أَجَلْ، ثَمانِيَ سَنَواتٍ في الْبَرِّيَّةِ.
٥ وَوَصَلْنا إِلى الْأَرْضِ الَّتي سَمَّيْناها «الْوَفيرَةَ» بِسَبَبِ كَثْرَةِ ثِمارِها وَكَذٰلِكَ عَسَلِها الْبَرِّيِّ؛ وَكُلُّ هٰذِهِ الْأَشْياءِ أَعَدَّها الرَّبُّ كَيْ لا نَهْلِكَ. وَشاهَدْنا الْبَحْرَ الَّذي دَعَوْناهُ إيريانْتومَ وَهِيَ كَلِمَةٌ تَفْسيرُها مِياهٌ كَثيرَةٌ.
٦ وَكانَ أَنَّنا نَصَبْنا خِيامَنا عِنْدَ شاطِئِ الْبَحْرِ؛ وَرَغْمَ أَنَّنا خُضْنا كَثيرًا مِنَ الصِّعابِ وَتَعَرَّضْنا لِمَشَقّاتٍ كَثيرَةٍ لا يُمْكِنُ تَدْوينُها كُلِّها لِكَثْرَتِها، فَقَدْ فَرِحْنا فَرَحاً عَظيمًا عِنْدَما وَصَلْنا إِلى شاطِئِ الْبَحْرِ؛ وَدَعَوْنا الْمَكانَ «الْوَفيرَةَ» لِكَثْرَةِ ثِمارِهِ.
٧ وَبَعْدَ أَنْ كُنْتُ أَنا، نافي، في أَرْضِ الْوَفيرَةِ لِمُدَّةِ أَيّامٍ عَديدَةٍ، أَتاني صَوْتُ الرَّبِّ قائِلًا: قُمْ وَاصْعَدِ الْجَبَلَ. فَقُمْتُ وَصَعِدْتُ الْجَبَلَ وَصَرَخْتُ إِلى الرَّبِّ.
٨ وَكانَ أَنَّ الرَّبَّ كَلَّمَني قائِلًا: سَتَبْني سَفينَةً عَلى النَّحْوِ الَّذي أُريكَ إِيّاهُ، كَيْ أَحْمِلَ شَعْبَكَ عَبْرَ هٰذِهِ الْمِياهِ.
٩ فَقُلْتُ: يا رَبُّ، إِلى أَيْنَ أَذْهَبُ لِأَعْثُرَ عَلى مَعْدِنٍ خامٍ أَصْهَرُهُ كَيْ أَصْنَعَ أَدَواتٍ أَبْني بِها السَّفينَةَ عَلى النَّحْوِ الَّذي أَرَيْتَني إِيّاهُ؟
١٠ وَكانَ أَنَّ الرَّبَّ أَخْبَرَني إِلى أَيْنَ أَذْهَبُ لِأَعْثُرَ عَلى الْمَعْدِنِ الْخامِ كَيْ أَصْنَعَ أَدَواتٍ.
١١ وَحَدَثَ أَنّي أَنا، نافي، صَنَعْتُ مِنْفاخًا مِنْ جُلودِ الْحَيَواناتِ كَيْ أَنْفَخَ بِهِ عَلى النّارِ؛ وَبَعْدَ أَنْ صَنَعْتُ الْمِنْفاخَ كَيْ يَكونَ لَدَيَّ ما أَنْفَخَ بِهِ عَلى النّارِ، ضَرَبْتُ حَجَرَيْنِ بِبَعْضِهِما كَيْ أُشْعِلَ نارًا.
١٢ فَالرَّبُّ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَمَحَ لَنا حَتّى ذٰلِكَ الْوَقْتِ بِأَنْ نُشْعِلَ نيرانًا كَثيرَةً بَيْنَما كُنّا نَرْتَحِلُ في الْبَرِّيَّةِ؛ فَقَدْ قالَ: سَأَجْعَلُ طَعامَكُمْ شَهِيًّا، فَإِنَّكُمْ لا تَطْهونَهُ.
١٣ وَسَأَكونُ أَيْضًا نورَكُمْ في الْبَرِّيَّةِ؛ وَسَأُعِدُّ الطَّريقَ أَمامَكُمْ إِنْ حَفِظْتُمْ وَصايايَ؛ لِذا، ما دُمْتُمْ تَحْفَظونَ وَصايايَ سَتُقادونَ نَحْوَ الْأَرْضِ الْمَوْعودَةِ؛ وَسَتَعْرِفونَ أَنَّهُ أَنا الَّذي أَقودُكُمْ.
١٤ أَجَلْ، وَقالَ الرَّبُّ أَيْضًا: بَعْدَ أَنْ تَصِلوا إِلى الْأَرْضِ الْمَوْعودَةِ سَتَعْرِفونَ أَنّي أَنا الرَّبُّ، أَنا اللّٰهُ؛ وَأَنّي أَنا الرَّبُّ نَجَّيْتُكُمْ مِنَ الْهَلاكِ؛ أَجَلْ، وَأَنّي أَخْرَجْتُكُمْ مِنْ أَرْضِ أورُشَليمَ.
١٥ لِذٰلِكَ فَقَدِ اجْتَهَدْتُ أَنا، نافي، في حِفْظِ وَصايا الرَّبِّ وَفي حَثِّ إِخْوَتي عَلى الْإيمانِ وَالِاجْتِهادِ.
١٦ وَكانَ أَنّي صَنَعْتُ أَدَواتٍ مِنَ الْمَعْدِنِ الْخامِ الَّذي صَهَرْتُهُ مِنَ الصَّخْرِ.
١٧ وَعِنْدَما رَأى أَخَوايَ أَنّي أَوْشَكْتُ عَلى بِناءِ سَفينَةٍ، بَدَآ بِالتَّذَمُّرِ عَلَيَّ قائِلَيْنِ: أَخونا أَحْمَقُ، فَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَسْتَطيعُ أَنْ يَبْنِيَ سَفينَةً؛ أَجَلْ، وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَسْتَطيعُ أَنْ يَعْبُرَ هٰذِهِ الْمِياهَ الْعَظيمَةَ أَيْضًا.
١٨ وَهٰكَذا اشْتَكى أَخَوايَ عَلَيَّ، وَلَمْ يَرْغَبا في الْعَمَلِ، لِأَنَّهُما لَمْ يُصَدِّقا أَنَّني أَسْتَطيعُ بِناءَ سَفينَةٍ؛ وَكَذٰلِكَ لَمْ يُصَدِّقا أَنَّ الرَّبَّ عَلَّمَني ذٰلِكَ.
١٩ فَحَدَثَ أَنّي حَزِنْتُ حُزْنًا شَديدًا لِقَساوَةِ قَلْبَيْهِما؛ وَعِنْدَما شاهَدا أَنّي بَدَأْتُ أَحْزَنُ، ابْتَهَجا في قَلْبَيْهِما، وَقالا بِشَماتَةٍ: لَقَدْ عَرَفْنا أَنَّكَ لَسْتَ قادِرًا عَلى بِناءِ سَفينَةٍ، لِأَنَّنا عَرَفْنا أَنَّكَ تَفْتَقِرُ إِلى الْحِكْمَةِ؛ لِذا فَلا يُمْكِنُكَ أَنْ تُحَقِّقَ مِثْلَ هٰذا الْعَمَلِ الْعَظيمِ.
٢٠ وَأَنْتَ مِثْلَ أَبينا الَّذي أَضَلَّهُ خُيَلاءُ قَلْبِهِ؛ أَجَلْ، لَقَدْ أَخْرَجَنا مِنْ أَرْضِ أورُشَليمَ، وَقَدْ تَجَوَّلْنا في الْبَرِّيَّةِ هٰذِهِ السَّنَواتِ الْعَديدَةَ؛ وَكَدَّتْ نِساؤُنا أَثْناءَ حَمْلِهِنَّ؛ وَأَنْجَبْنَ أَطْفالَهُنَّ في الْبَرِّيَّةِ وَقاسَيْنَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ما خَلا الْمَوْتِ؛ وَكانَ مِنَ الْأَفْضَلِ لَهُنَّ أَنْ يَمُتْنَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجْنَ مِنْ أورُشَليمَ عِوَضًا عَنْ خَوْضِ هٰذِهِ الصِّعابِ.
٢١ وَإِنَّنا قَدْ قاسَيْنا في الْبَرِّيَّةِ هٰذِهِ السَّنَواتِ الْعَديدَةَ الَّتي كانَ يُمْكِنُنا فيها الِاسْتِمْتاعُ بِمُمْتَلَكاتِنا وَأَرْضِ ميراثِنا؛ أَجَلْ، وَكانَ يُمْكِنُنا أَنْ نَكونَ سُعَداءَ.
٢٢ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الشَعْبَ الَّذي كانَ في أَرْضِ أورُشَليمَ كانَ شَعْبًا بارًّا؛ فَقَدْ حَفِظَ فَرائِضَ الرَّبِّ وَأَحْكامَهُ وَجَميعَ وَصاياهُ حَسَبَ شَريعَةِ موسى؛ لِذا فَإِنَّنا نَعْلَمُ أَنَّهُ شَعْبٌ بارٌّ؛ وَقَدْ أَدانَهُمْ أَبونا، وَأَخْرَجَنا مِنْ بَيْنِهِمْ لِأَنَّنا أَصْغَيْنا لِكَلِماتِهِ؛ أَجَلْ، وَأَخونا مِثْلَهُ. وَبِأَقْوالٍ كَهٰذِهِ تَذَمَّرَ أَخَوايَ وَاشْتَكَيا مِنّا.
٢٣ وَحَدَثَ أَنّي أَنا، نافي، كَلَّمْتُهُما قائِلًا: أَتَعْتَقِدانِ أَنَّ آباءَنا، الَّذينَ هُمْ بَنو إِسْرائيلَ، كانوا سَيُخَلَّصونَ مِنْ أَيْدي الْمِصْرِيّينَ إِنْ لَمْ يُصْغوا لِكَلِماتِ الرَّبِّ؟
٢٤ أَجَلْ، أَتَعْتَقِدانِ أَنَّهُمْ كانوا سَيُخَلَّصونَ مِنَ الْعُبودِيَّةِ إِنْ لَمْ يَأْمُرِ الرَّبُّ موسى أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنَ الْعُبودِيَّةِ؟
٢٥ فَإِنَّكُما تَعْلَمانِ أَنَّ بَني إِسْرائيلَ كانوا في الْعُبودِيَّةِ؛ وَأَنْتُما تَعْلَمانِ أَنَّهُمْ كانوا مُحَمَّلينَ بِأَعْباءٍ قاسِيَةٍ لا تُحْتَمَلُ؛ لِذا، فَأَنْتُما تَعْلَمانِ أَنَّهُ لا بُدَّ أَنْ يَكونَ مِنَ الْجَيِّدِ لَهُمْ أَنْ يُخَلَّصوا مِنَ الْعُبودِيَّةِ.
٢٦ كَما أَنَّكُما تَعْلَمانِ أَنَّ الرَّبَّ أَمَرَ موسى بِأَنْ يَقومَ بِذٰلِكَ الْعَمَلِ الْعَظيمِ؛ وَأَنْتُما تَعْلَمانِ أَنَّ مِياهَ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ انْشَقَّتْ بِكَلِمَتِهِ، فَعَبَروا عَلى أَرْضٍ يابِسَةٍ.
٢٧ وَلٰكِنَّكُما تَعْلَمانِ أَنَّ الْمِصْرِيّينَ، الَّذينَ كانوا جُيوشَ فِرْعَوْنَ، غَرِقوا في الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ.
٢٨ وَتَعْلَمانِ أَيْضًا أَنَّهُمْ أَكَلوا الْمَنَّ في الْبَرِّيَّةِ.
٢٩ أَجَلْ، وَتَعْلَمانِ أَيْضًا أَنَّ موسى ضَرَبَ الصَّخْرَةَ بِكَلِمَتِهِ حَسَبَ قُوَّةِ اللّٰهِ الَّتي كانَتْ فيهِ، فَخَرَجَ مِنْها ماءٌ، لِيَرْوِيَ بَنو إِسْرائيلَ عَطَشَهُمْ.
٣٠ وَمَعَ أَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَهُمْ وَفادِيَهُمْ قادَهُمْ، وَمَعَ أَنَّهُ كانَ يَتَقَدَّمُهُمْ، يَقودُهُمْ نَهارًا وَيَمْنَحُهُمُ النّورَ لَيْلًا وَيَفْعَلُ لَهُمْ كُلَّ ما يَحْتاجونَ إِلَيْهِ، فَقَدْ قَسَّوْا قُلوبَهُمْ وَطَمَسوا أَذْهانَهُمْ، وَلَعَنوا موسى وَالْإِلٰهَ الْحَيَّ الْحَقَّ.
٣١ وَطِبْقًا لِكَلِمَتِهِ أَهْلَكَهُمْ؛ وَطِبْقًا لِكَلِمَتِهِ قادَهُمْ؛ وَطِبْقًا لِكَلِمَتِهِ فَعَلَ لَهُمْ كُلَّ أَمْرٍ؛ وَلَمْ يَتِمَّ أَمْرٌ إِلّا بِكَلِمَتِهِ.
٣٢ وَبَعْدَ أَنْ عَبَروا نَهْرَ الْأُرْدُنِّ أَعَزَّهُمْ فَطَرَدوا أَبْناءَ الْأَرْضِ، أَجَلْ، وَشَتَّتوهُمْ حَتّى الْهَلاكِ.
٣٣ فَهَلْ تَظُنّانِ أَنَّ أَبْناءَ هٰذِهِ الْأَرْضِ الَّذينَ كانوا في أَرْضِ الْمَوْعِدِ، وَالَّذينَ طَرَدَهُمْ آباؤُنا، هَلْ تَظُنّانِ أَنَّهُمْ كانوا أَبْرارًا؟ إِنّي أَقولُ لَكُما، كَلّا.
٣٤ أَتَحْسَبانِ أَنَّ آباءَنا كانوا سَيَمْتازونَ عَلَيْهِمْ لَوْ كانوا أَبْرارًا؟ أَقولُ لَكُما، كَلّا.
٣٥ إِنَّ الرَّبَّ يَرى كُلَّ الْبَشَرِ سَواءً؛ فَالْبارُّ يَجِدُ نِعْمَةً لَدى اللّٰهِ. لٰكِنَّ هٰؤُلاءِ النّاسَ رَفَضوا كُلَّ كَلِمَةٍ مِنْ كَلِماتِ اللّٰهِ، وَكانوا ناضِجينَ في الشَّرِّ؛ وَكانَ مِلْءُ غَضَبِ اللّٰهِ عَلَيْهِمْ؛ وَقَدْ لَعَنَ الرَّبُّ الْأَرْضَ لِأَجْلِهِمْ وَبارَكَها لِأَجْلِ آبائِنا؛ أَجَلْ، لَعَنَها مِنْ جِهَتِهِمْ لِإِهْلاكِهِمْ، وَبارَكَها لِآبائِنا فَتَسَلَّطوا عَلَيْها.
٣٦ إِنَّ الرَّبَّ قَدْ خَلَقَ الْأَرْضَ لِتُعْمَرَ؛ وَقَدْ خَلَقَ أَبْناءَهُ لِيَرِثوها.
٣٧ وَيُقيمُ الْأُمَّةَ الْبارَّةَ وَيُهْلِكُ أُمَمَ الْأَشْرارِ.
٣٨ وَيَقودُ الْأَبْرارَ إِلى أَراضٍ كَريمَةٍ وَيُهْلِكُ الْأَشْرارَ وَيَلْعَنُ الْأَرْضَ بِسَبَبِهِمْ.
٣٩ يَحْكُمُ عالِيًا في السَّماواتِ لِأَنَّها عَرْشُهُ، وَالْأَرْضُ هِيَ مَوْطِئُ قَدَمَيْهِ.
٤٠ وَيُحِبُّ الَّذينَ يَتَّخِذونَهُ إِلٰهًا لَهُمْ. فَإِنَّهُ قَدْ أَحَبَّ آباءَنا وَعاهَدَهُمْ، أَجَلْ، إِبْراهيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقوبَ؛ وَذَكَرَ الْعُهودَ الَّتي قَطَعَها؛ لِذا فَقَدْ أَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ.
٤١ وَقَدْ قَوَّمَهُمْ في الْبَرِّيَّةِ بِعَصاهُ؛ لِأَنَّهُمْ قَسَّوْا قُلوبَهُمْ كَما فَعَلْتُما أَنْتُما؛ وَقَدْ قَوَّمَهُمُ الرَّبُّ بِسَبَبِ آثامِهِمْ. فَأَرْسَلَ حَيّاتٍ طَيّارَةً نارِيَّةً بَيْنَهُمْ؛ وَبَعْدَ أَنْ لَدَغَتْهُمْ أَعَدَّ لَهُمْ طَريقَةً كَيْ يُشْفَوْا؛ وَكانَ الْعَمَلُ الَّذي عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْمَلوهُ هُوَ أَنْ يَنْظُروا؛ وَبِسَبَبِ بَساطَةِ الطَّريقَةِ، أَوْ يُسْرِها، هَلَكَ الْكَثيرونَ.
٤٢ وَقَسَّوْا قُلوبَهُمْ مِنْ وَقْتٍ لِآخَرَ، وَلَعَنوا موسى، وَاللّٰهَ أَيْضًا؛ وَمَعَ ذٰلِكَ فَأَنْتُما تَعْلَمانِ أَنَّ قُوَّتَهُ الَّتي لا تُضاهى هِيَ الَّتي قادَتْهُمْ إِلى أَرْضِ الْمَوْعِدِ.
٤٣ وَبَعْدَ كُلِّ هٰذِهِ الْأُمورِ، جاءَ الْوَقْتُ الَّذي أَصْبَحوا فيهِ أَشْرارًا، أَجَلْ، وَكانوا ناضِجينَ في الشَّرِّ؛ وَلا أَعْلَمُ إِلّا أَنَّهُمْ في هٰذا الْيَوْمِ عَلى وَشْكِ أَنْ يَهْلِكوا، لِأَنّي أَعْلَمُ أَنَّ الْيَوْمَ الَّذي يَجِبُ أَنْ يَهْلِكوا فيهِ لا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ، إِلّا قَليلًا مِنْهُمْ سيُقادونَ إِلى السَّبْيِ.
٤٤ لِذا فَقَدْ أَمَرَ الرَّبُّ أَبي أَنْ يُغادِرَ إِلى الْبَرِّيَّةِ؛ فَالْيَهودُ سَعَوْا لِيَسْلُبوهُ حَياتَهُ أَيْضًا؛ أَجَلْ، وَقَدْ سَعَيْتُما أَنْتُما أَيْضًا لِتَسْلُباهُ حَياتَهُ؛ لِذا، فَأَنْتُما قاتِلانِ في قَلْبَيْكُما وَإِنَّكُما مِثْلَهُمْ.
٤٥ تُسْرِعانِ إِلى عَمَلِ الشَّرِّ، وَلٰكِنَّكُما مُبْطِئانِ في ذِكْرِ الرَّبِّ إِلٰهِكُما. لَقَدْ رَأَيْتُما مَلاكًا، وَقَدْ كَلَّمَكُما؛ أَجَلْ، لَقَدْ سَمِعْتُما صَوْتَهُ مِنْ وَقْتٍ لِآخَرَ؛ كَما كَلَّمَكُما بِصَوْتٍ هادِئٍ رَقيقٍ، لٰكِنَّكُما كُنْتُما فاقِدَيِ الْحِسِّ فَلَمْ تَشْعُرا بِكَلِماتِهِ؛ لِذا، فَقَدْ كَلَّمَكُما بِصَوْتِ الرَّعْدِ الَّذي زَلْزَلَ الْأَرْضَ كَما لَوْ أَنَّها تَنْشَقُّ.
٤٦ وَتَعْلَمانِ أَيْضًا أَنَّهُ بِقُوَّةِ كَلِمَتِهِ الْجَبّارَةِ يُمْكِنُهُ جَعْلُ الْأَرْضِ تَزولُ؛ أَجَلْ، وَتَعْلَمانِ أَنَّهُ بِكَلِمَتِهِ يُمْكِنُهُ جَعْلُ الْأَماكِنِ الْوَعْرَةِ سَهْلًا، وَالسُّهولِ تَتَشَقَّقُ. فَكَيْفَ يُمْكِنُكُما إِذًا أَنْ تَكونا بِمِثْلِ هٰذِهِ الْقَسوَةِ في قَلْبَيْكُما؟
٤٧ إِنَّ نَفْسي مَزَّقَها الْأَسى بِسَبَبِكُما وَتَأَلَّمَ قَلْبي؛ وَأَخْشى أَنَّكُما سَتُنْبَذانِ إِلى الْأَبَدِ. إِنَّني مُمْتَلِئٌ بِروحِ اللّٰهِ، حَتّى أَنَّ جَسَدي باتَ دونَ قُوَّةٍ.
٤٨ وَحينَ تَكَلَّمْتُ بِهٰذِهِ الْكَلِماتِ، غَضِبا مِنّي، وَرَغِبا في أَنْ يَطْرَحاني في أَعْماقِ الْبَحْرِ؛ وَعِنْدَما أَقْبَلا لِيُلْقِيا بِأَيْديهِما عَلَيَّ، كَلَّمْتُهُما قائِلًا: بِاسْمِ الْإِلٰهِ الْجَبّارِ آمُرُكُما أَلّا تَلْمِساني لِأَنَّني مُمْتَلِئٌ بِقُوَّةِ اللّٰهِ حَتّى اسْتِنْزافِ طاقَةِ جَسَدي؛ وَمَنْ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَيَّ سَيَذْوي كَقَصْبَةٍ يابِسَةٍ؛ وَسَيَكونُ وَكَأَنَّهُ لا شَيْءَ أَمامَ قُوَّةِ اللّٰهِ، لِأَنَّ اللّٰهَ يَضْرِبُهُ.
٤٩ وَكانَ أَنّي أَنا، نافي، قُلْتُ لَهُما بِأَنَّ عَلَيْهِما أَلّا يَتَذَمَّرا عَلى أَبيهِما فيما بَعْدُ؛ وَأَلّا يَمْنَعا عَنّي عَمَلَهُما لِأَنَّ اللّٰهَ أَمَرَني أَنْ أَبْنِيَ سَفينَةً.
٥٠ وَقُلْتُ لَهُما: إِذا أَمَرَني الرَّبُّ أَنْ أَفْعَلَ كُلَّ الْأُمورِ أَمْكَنَني فِعْلُها. إِذا أَمَرَني أَنْ أَقولَ لِهٰذِهِ الْمِياهِ كوني أَرْضًا يابِسَةً فَإِنَّها سَتَكونُ أَرْضًا يابِسَةً؛ وَإِنْ قُلْتُ ذٰلِكَ كانَتْ.
٥١ وَإِنْ كانَ لِلرَّبِّ مِثْلُ هٰذِهِ الْقُوَّةِ الْعَظيمَةِ، وَإِنْ كانَ قَدْ صَنَعَ مِثْلَ هٰذِهِ الْمُعْجِزاتِ الْكَثيرَةَ بَيْنَ أَبْناءِ الْبَشَرِ، فَكَيْفَ إِذًا لا يُمْكِنُهُ أَنْ يُرْشِدَني لِأَبْنِيَ السَّفينَةَ؟
٥٢ وَكانَ أَنّي أَنا، نافي، قُلْتُ أُمورًا كَثيرَةً لِأَخَوَيَّ حَتّى أَنَّهُما خَزِيا وَلَمْ يُمْكِنْهُما أَنْ يُجادِلاني؛ كَما أَنَّهُما لَمْ يَجْرُؤا عَلى أَنْ يَضَعا أَيْدِيَهُما عَلَيَّ أَوْ أَنْ يَلْمِساني بِأَصابِعِهِما لِمُدَّةِ أَيّامٍ عَديدَةٍ. فَإِنَّهُما لَمْ يَجْسُرا عَلى ذٰلِكَ كَيْ لا يَذْوِيا أَمامي، فَإِنَّ روحَ اللّٰهِ كانَ قَويًّا وَهٰكَذا أَثَّرَ عَلَيْهِما.
٥٣ وَحَدَثَ أَنَّ الرَّبَّ قالَ لي: مُدَّ يَدَكَ ثانِيَةً إِلى أَخَوَيْكَ فَإِنَّهُما لَنْ يَذْوِيا أَمامَكَ، وَلٰكِنَّني أَصْعَقُهُما، يَقولُ الرَّبُّ، وَسَأَفْعَلُ ذٰلِكَ كَيْ يَعْلَما أَنّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُهُما.
٥٤ وَكانَ أَنّي مَدَدْتُ يَدي إِلى أَخَوَيَّ فَلَمْ يَذْوِيا أَمامي؛ لٰكِنَّ الرَّبَّ أَرْجَفَهُما طِبْقًا لِلْكَلِمَةِ الَّتي تَكَلَّمَ بِها.
٥٥ وَقالا: إِنَّنا نَعْلَمُ عِلْمَ الْيَقينِ أَنَّ الرَّبَّ مَعَكَ، لِأَنَّنا نَعْلَمُ أَنَّ قُوَّةَ الرَّبِّ أَرْجَفَتْنا. وَسَقَطا أَمامي، وَكانا عَلى وَشْكِ أَنْ يَعْبُداني وَلٰكِنَّني لَمْ أَسْمَحْ لَهُما قائِلًا: أَنا أَخوكُما، بَلْ أَخوكُما الْأَصْغَرُ؛ لِذا، اعْبُدا الرَّبَّ إِلٰهَكُما، وَأَكْرِما أَباكُما وَأُمَّكُما كَيْ تَطولَ أَيّامُكُما عَلى الْأَرْضِ الَّتي سَيُعْطيكُما إِيّاها الرَّبُّ إِلٰهُكُما.