المؤتمر العام
”أنتم أصدقائي“
المؤتمر العام لشهر تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠٢٤


10:49

”أنتم أصدقائي“

إن إعلان المخلص ”أنتم أصدقائي“ هو دعوة واضحة لبناء علاقات أعلى وأقدس بين جميع أبناء الله.

في عالم مليء بالنزاعات والانقسامات، حيث حلت الأحكام الجارفة والسخرية محل الحوار المدني، وحيث باتت الصداقات تُعرّف بالإيديولوجيات والتوجهات، وصلت إلى يقين راسخ بأن هناك مثالاً إلهيًا واضحًا وبسيطًا نقتدي به للوحدة والمحبة والانتماء. هذا المثال هو يسوع المسيح. أشهد أن المسيح هو الموحِّد الأعظم.

نحن أصدقاؤه

في كانون الثاني/ ديسمبر من عام ١٨٣٣، ومع تصاعد ”ظهور الفتن بين الأمم“ بشكل لم يكن له مثيل منذ تأسيس الكنيسة، اجتمع قادة القديسين في كيرتلاند، أوهايو، في مؤتمرٍ. فصلّوا ”فرادى وبصوتٍ مسموع للرب كي يوحي لهم إرادته.“ وفي استجابة لصلوات هؤلاء الأعضاء المخلصين في أوقات المحن العصيبة، عزّاهم الرب وخاطب قديسيه ثلاث مرات بكلمتين قويتين: ”يا أصدقائي.“

لقد دعا المسيح أتباعه المخلصين أصدقاء له منذ زمن بعيد. في أربعة عشر موضعًا في المبادئ والعهود، يستخدم المخلّص كلمة صديق ليعرّف بها علاقة مقدسة ومحبوبة. إنني لا أتحدث هنا عن كلمة صديق كما يعرّفها العالم—بناءً على عدد المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي أو التفاعل على المنشورات. إنها ليست مجرد كلمة يمكن تلخيصها في هاشتاغ أو عدد على إنستغرام أو إكس.

أعترف، أنه عندما كنت مراهقًا، كنت أكره تلك المحادثات المؤلمة التي تسمع فيها تلك الكلمات الجارحة ”لنكن مجرد أصدقاء“ أو ”دعنا نحتفظ بعلاقتنا كأصدقاء فقط.“ لكن لا نجد في الكتابات المقدسة أي ذكر لهذه العبارة ”أنتم فقط أصدقائي“. علّم يسوع قائلاً: ”لَيْسَ لأَحَدٍ مَحَبَّةٌ أَعْظَمُ مِنْ هذِهِ: أَنْ يَبْذِلَ أَحَدٌ حَيَاتَهُ فِدَى أَحِبَّائِهِ“. وقال أيضًا: ”أنتم الذين أعطانيهم أبي، أنتم أصدقائي.“

الرسالة واضحة: المخلص يُحصي كل منا ويرعانا. وهذه الرعاية ليست تافهة أو غير مهمة. بل إنها رعاية تعلو وتسمو وتستمر إلى الأبد. أرى في إعلان المخلص ”أنتم أصدقائي“٧ نداءً جليًا لبناء علاقات أسمى وأقدس بين جميع أبناء الله ”حتى نكون واحدًا.“ نفعل ذلك عندما نجتمع بحثًا عن فرص للوحدة والشعور بالانتماء للجميع.

نحن واحد فيه

أظهر المخلص هذا بشكل رائع عندما دعا الآخرين قائلاً: ”[تعالوا اتبعوني].“ اعتمد المخلص على المواهب والصفات الفردية لأتباعه المختلفين عندما دعا رسله. دعا الصيادين ، والغيورين ، والإخوة المعروفين بشخصياتهم الحادة، أبناء الرعد، وحتى جابي ضرائب. إيمانهم بالمخلص ورغبتهم في الاقتراب منه وحّدتهم. نظروا إليه، ورأوا الله من خلاله، ”[فَتَرَكوا] الشِّبَاكَ وَ[تَبِعوه] حَالاً.“

لقد رأيت بنفسي كيف أن بناء علاقات أسمى وأقدس يجمعنا معًا كواحد. أنا وزوجتي جينيفر كنا محظوظين بتربية أبنائنا الخمسة في مدينة نيويورك. وهناك، في تلك المدينة الصاخبة، كوّنا علاقات مقدسة وقيمة مع الجيران، وأصدقاء المدرسة، وزملاء العمل، وقادة الإيمان، والقديسين.

في أيار/ مايو من عام ٢٠٢٠، بينما كان العالم يتعامل مع انتشار جائحة عالمية، اجتمع أعضاء لجنة قادة الديانات في نيويورك عبر الإنترنت في اجتماع تمت الدعوة اليه بشكل مفاجئ. لم تكن هناك أجندة. لم يكن هناك ضيوف مميزون. فقط طلبٌ للاجتماع والتحدث عن التحديات التي نواجهها كقادة إيمان. وكانت مراكز السيطرة على الأمراض قد أعلنت للتو أن مدينتنا هي مركز جائحة كوفيد-١٩ في الولايات المتحدة. هذا يعني لا تجمعات بعد الآن. لا لقاءات شخصية.

بالنسبة لهؤلاء القادة الدينيين، كان إلغاء الخدمات الجماعية والإرشاد الشخصي والعبادة الأسبوعية ضربة قاسية. كانت مجموعتنا الصغيرة—التي ضمت كاردينالًا وقساوسة وحاخامات وأئمة وقساوسة وخداما وشيخًا—تستمع إلى بعضها البعض، وتواسي بعضها البعض، وتدعم بعضها البعض. بدلاً من التركيز على اختلافاتنا، رأينا ما يجمعنا. تحدثنا عن الاحتمالات، ثم حولناها إلى واقع. تكاتفنا وأجبنا عن الأسئلة المتعلقة بالإيمان والمستقبل. ثم صلّينا. ويا لها من صلاة.

في مدينة غنية بالتنوع، مليئة بالتعقيدات والثقافات المتصادمة، رأينا اختلافاتنا تتلاشى ونحن نجتمع كأصدقاء بصوتٍ واحد وغاية واحدة وصلاة واحدة.

بدلًا من أن نتبادل النظرات عبر الطاولة، أصبحنا نرفع أنظارنا معًا نحو السماء. مع كل اجتماع لاحق، كنا نخرج أكثر توحدًا ومستعدين لحمل ”معاولنا“ والشروع في العمل. من خلال التعاون والخدمة التي قُدمت لآلاف من سكان نيويورك، تعلمت أنه في عالم مليء بالانقسامات، والمسافات، والعزلة، هناك دومًا ما يوحّدنا أكثر مما يباعدنا. رجانا المخلص: ”كونوا واحداً؛ فإن لم تكونوا واحداً فإنكم لستم لي.“

أيها الإخوة والأخوات، علينا أن نتوقف عن البحث عن أسباب للانقسام وأن نبحث عن فرص لكي ”نكون واحدًا.“ لقد أنعم الله علينا بمواهب وخصال فريدة تدعونا للتعلم من بعضنا البعض وللنمو الشخصي. كنت أقول لطلابي في الجامعة كثيرًا: إذا كنت أفعل ما تفعلونه، وأنتم تفعلون ما أفعله، فلن نكون بحاجة إلى بعضنا البعض. ولكن لأنكم لا تفعلون ما أفعله، وأنا لا أفعل ما تفعلونه، فإننا بحاجة إلى بعضنا البعض. وهذه الحاجة هي ما يجمعنا معًا. الانقسام والسيطرة هو مخطط العدو لتدمير الصداقات، العائلات، والإيمان. المُخلّص هو من يوحّد.

نحن ننتمي إليه

إحدى البركات الموعودة من ”أن نصبح واحدًا“ هي شعور قوي بالانتماء. لقد علّم الشيخ كوينتين ل. كوك أن ”جوهر الانتماء الحقيقي هو أن تكون واحدًا مع المسيح.“

في زيارة حديثة لي مع عائلتي إلى دولة غانا في غرب إفريقيا، أذهلتني عادة محلية. عند وصولنا إلى كنيسة أو منزل، كنا نُستقبل بكلمات ”مرحبا بك.“ وعندما يُقدم الطعام، كان مضيفنا يعلن: ”أنت مدعو.“ كانت هذه التحيات البسيطة يُعَبر عنها بنية وقصد واضحين. أنت مرحب بك. وأنت مدعو.

نحن نضع إعلانات مشابهة على أبواب بيوت اجتماعاتنا. لكن مجرد وضع لافتة ”مرحبا بالزوار“ لا يكفي. هل نستقبل الجميع بترحاب حار عندما يدخلون من الأبواب؟ إخوتي وأخواتي، ليس كافيًا أن نجلس في المقاعد. يجب أن نصغي إلى دعوة المخلص لبناء علاقات أسمى وأقدس مع جميع أبناء الله. يجب أن نعيش إيماننا! كان والدي دائمًا يذكرني بأن الجلوس في مقعد في الكنيسة يوم الأحد لا يجعلك مسيحيًا جيدًا، أكثر من أن يجعلك النوم في كراج سيارة.

يجب أن نعيش حياتنا بطريقة تجعل العالم لا يرانا نحن بل يرون المسيح من خلالنا. وهذا لا يحدث فقط أيام الأحد. إنه يحدث في محل البقالة، ومحطة البنزين، واجتماع المدرسة، وتجمعات الجيران، وكل مكان يعمل ويعيش فيه أعضاء عائلتنا المعمدون وغير المعمدين.

أعبد في يوم الأحد كتذكير بأننا نحتاج لبعضنا البعض، وأننا جميعًا نحتاج إلى الرب. مواهبنا وهباتنا الفريدة التي تميزنا في العالم الدنيوي تجمعنا في الفضاء المقدس. لقد دعا المخلص كل منا إلى مساعدة بعضنا البعض، والنهوض ببعضنا البعض، وتعزيز بعضنا البعض. وهذا ما فعله عندما شفى المرأة التي كانت تعاني من نزيف وطهّر الأبرص الذي طلب رحمته وقدم المشورة للشاب الثري الذي سأل ماذا يمكن أن يفعل أكثر وأحب نيقوديموس الذي كان يعرف لكنه تردد في إيمانه وجلس مع المرأة عند البئر وهذا كان لا يتوافق مع الأعراف السائدة لكنه أعلن لها مهمته كمخلص. هذه هي الكنيسة بالنسبة لي—مكانٌ للتجمع، والتعافي، والإصلاح، وإعادة التركيز. وكما علّم الرئيس نلسن: ”شبكة الإنجيل هي أكبر شبكة في العالم. لقد دعا الله الجميع كي يأتوا إليه. … هناك متسع للجميع.“

قد يكون بعضكم قد مرّ بتجارب تُشعِرَكم بأنكم لا تنتمون. رسالة المخلص لي ولكم هي نفسها: ”تعَالَوْا إِلَيَّ يا جَمِيعَ ٱلْمُتْعَبِينَ وَٱلثَّقِيلِي ٱلْأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ“. إن إنجيل يسوع المسيح هو المكان المثالي لنا. الذهاب إلى الكنيسة يمنح الأمل بأيام أفضل، ويقدم الوعد بأنك لست وحيدًا، وعائلة تحتاجنا بقدر ما نحتاج إليها. لقد أكد الشيخ د. تود كريستوفرسن أن ”كونكم واحدًا مع الآب والابن والروح القدس هو بلا شك أقصى درجات الانتماء.“ لأولئك الذين قد ابتعدوا ويسعون إلى العودة، أقدم لكم حقيقة أبدية ودعوة. ارجعوا. لقد حان الوقت.

في عالم مليء بالانقسامات والنزاعات، أشهد بأن المخلص يسوع المسيح هو الموحِّد الأعظم. دعوني أدعو كل منا كي نكون جديرين بدعوة المخلص لنكون ”واحدًا“، وأن نعلن بشجاعة كما فعل هو: ”أنتم أصدقائي.“ بالاسم المُقَدَّس ليسوع المسيح، آمين.